بسم الله الرحمن الرحيم
***********
الفصل الدراسي الأول
رسم المُصحف
القرآن الكريم : كلام الله , نزل به جبريل – عليه السلام – على رسول الله صلى الله عليه وسلم . مُنجماً , وتلقته الأمةجيلاً بعد جيل إلى عصرنا هذا تلقيناً وكتابة .
ولأهمية موضوع رسم المُصحف سندرسه من خلال ثلاثة عناصر هي : تاريخ كتابة المُصحف , والفرق بين الرسم العثماني والرسم الإملائي , وأسباب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المُصحف .
أولاً : تاريخ كتابة المُصحف :
كُتب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شيء من القرآن الكريم أمر كتبة الوحي بكتابته في موضعه من القرآن الكريم , ثُم جُمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه , ثم نسخ في عهد عُثمان بن عفان – رضي الله عنه – في مصاحف وزعت على الأقاليم .
وهذه الأحول الثلاثة تتضح من الحديثين اللذين رواهما الإمام البخاري في صحيحه وهما :
الحديث الأول :
روى البخاري ( أن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة , فإذا عمر بن الخطاب عنده . قال أبو بكر – رضي الله عنه - : أن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن , وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن , ... فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذالك , ورأيت في ذالك رأي عمر .
قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولانتّهمك , وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فتتبع القرآن فاجمعه . فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن ... فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب : أي جريد النخل , واللخاف : حجارة بيض عريضة رقاق , وصدور الرجال .
الحديث الثاني :
روى البخاري ( أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان , وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق , فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن , فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى , فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُحف ننسخها في المصاحف , ثم نردها إليك , فأرسلت بها إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام . فنسخوها في المصاحف , وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش , فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ... )
اقتباس:
وبهذا نعلم أن القرآن الكريم كتب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على العسب واللخاف وفي عهد ابي بكر رضي الله عنه جمعت الصحف ورتبت , وفي عهد عثمان رضي الله عنه نسخت الصحف في مصاحف متماثلة على لغة قريش , ووافق الصحابة رضي الله عنهم على هذا الرسم , ثم أرسل إلى كل إقليم من الأقاليم الإسلامية مصحفاً .
لذا يسمى خط المُصحف بالرسم العثماني نسبة إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ( 86 هـ ) رحمه الله تم إعجام المُصحف أي نقطه وضبطه بالشكل عندما شاع اللحن والأخطاء , فوضعت الفتحة نقطة على أول الحرف , والضمة نقطة على آخر الحرف , والكسرة نقطة تحت أول الحرف , ثم وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي – المتوفى سنة ( 170 هـ ) رحمه الله – علامات الضبط بالشكل المعروفة الآن , ووضع علامة الألف المحذوفة , وعلامة الإقلاب , والإدغام , والإخفاء .
وفي القرن الثالث الهجري زيدت علامات في المصحف غير ما ذكر , مع الاستمرار على كتابته بالرسم العثماني إلى عصرنا هذا .
ثانيـــاً : المقارنة بين الرسم العثماني والإملائي :
أهتم علماء المسلمين , برسم المصحف قديماً وحديثاً , وبحث أئمتهم في هذا المجال , وبينوا الفرق بين الرسم العثماني والإملائي من خلال حصر الكلمات التي أختلف فيها الرسم الرسم الإملائي عن الرسم العثماني , ومنها الكلمات الآتية :
1- القرءان ... عثماني
2- القرآن ... إملائي
3- الانسن ... عثماني
4- الإنسان ... إملائي
5-يجدل ... عثماني
6- يجادل ... إملائي
7- ءايتي ... عثماني
8- آياتي ... إملائي
9- الكتب ... عثماني
ومما وافق فيه الرسم الإملائي الرسم العثماني الكلمات الآتية :
( الله , إله , الرحمن , لكن , طه , هذا , ذلك , الذين )
إذ استثنيت هذه الكلمات من كتابتها وفق القواعد الإملائية , كما ستعرف ذالك في موضعه إن شاء الله .
ثالثاً : أسباب الالتزام بالرسم العثماني :
التزم علماء الإسلام قديماً وحديثاً بالرسم في كتابة المصاحف , وحكموا في تغييره بالكراهية أو التحريم للأسباب الآتية :
1- إن هذا الرسم أمر به الخليفة عثمان بن عفان , ووافقه الصحابة – رضي الله عنهم – فهو بمنزلة الإجماع منهم على ذالك .
2- إنها سنة متبعة , لأنا أمرنا باتباع سنتهم في قوله صلى الله عليه وسلم (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي ))د
3- إن التابعين – رحمهم الله – أجمعوا على ذالك الرسم , وسار من بعدهم على ذالك إلى عصرنا هذا .
4- إن الرسم الإملائي قابل للتغيير والتبديل , فإذا كتب القرآن الكريم بناءً عليه فقد يتعرض للتبديل , والاضطراب في النسخ .
5- حفظ القرآن الكريم من تلاعب أيدي الخطاطين وغيرهم في رسمه